الرقصة الأخيرة
قصة بقلم/ غادة عقل
دعاها لحفلة رقص
فلبت الدعوة ،
وهي تكاد تطير فرحا،
إنه حبيب العمر
إنه فرحة العمر
تحدّث نفسها بينما هي ترتدي ملابسها :
بعد قليل سأكون بين ذراعيه .
رافقته الى الحفلة
جلسا على المائدة
حدّثها عن عشقه لها
ثم وقف ودعاها للرقص فوافقت
ووقفا في ساحة الرقص
وإذا به يركع أمامها على ركبتيه
وأمام كل الحضور
نظر إليها بعينين تتراقص بهما الفرحة وقال:
أتسمح مولاتي الملكة لي بهذه الرقصة؟
فاعتلت البسمة شفتيها
وبريق الفرح والسرور في عينيها
يكاد يطغى على الأنوار المتلألئة
قالت: وهل ترفض الملكة الرقص مع سيد قلبها؟!
قال: ما أنا إلا واحد من رعاياك يا مولاتي، فتكرمي وتنازلي واقبلي دعوتي.
فأخذت بيده وساعدته على النهوض
فأشار إلى المصور كي يلتقط لهما بعض الصور
وبدأا الرقص
كانا منسجمين
كأنهما بلبلان يتراقصان في السماء
كانا ينثران ابتساماتهما على الحضور كالزهور
ودقات قلبيهما تتناغم مع الموسيقى
انتهت المعزوفة دون أن يشعرا بطولها
فتوقفا عن الرقص. ثم مدّ لها يده
وسارا إلى حيث طاولتهما بين تصفيق الحضور
وما أن جلسا حتى أحضر لهما المصور صورتهما
وهما يرقصان..
فجأة تغيرت ملامح وجهه
واختفت علامات البهجة من عينيه
وكسَت وجهَه ملامحُ الحزن والألم
رأت في عينيه متاهات تحتاج لتفسير
لماذا تحول الفرح إلى حزن؟
لماذا تحولت ضحكات عينيه إلى دمعات
سألته: ماذا حصل؟ لماذا تغيرت تعابير وجهك؟
قال بهدوء حزين:
حبيبتي كانت تلك رقصتنا الأخيرة .
أخذتها الدهشة.. وتتابعت الأسئلة والاستفسارات
ماذا؟ ماذا تقول؟ لماذا؟
قال: أنا مسافر وسيطول غيابي.
قالت: أي سفر؟ ولمن تتركني؟!
قال: عليك بالنسيان، لا تتذكري مني إلا رقصتنا الأخيرة.
وتناول الصورة، ومضى وهي تراقبه مذهولة، تتابعه بنظراتها حتى خرج من باب القاعة، وهي لا تصدق أن هذه الرقصة كانت رقصتهما الأخيرة أو أنه مسافر إلى غير رجعة، وأنها لن تراه بعد اليوم.
برهة وأفاقت من ذهولها، ثم خرجت خلفه تبحث عنه في الطرقات والأزقة فلم تجده، ومضت تتخبط لا تدري أين تذهب
منهارة حزينة مكسورة النفس.
مضت الشهور ولم يصلها منه خبر حتى فقدت الأمل، لكن فجأة رنَّ الهاتف وكانت المفاجأة:
شيء بداخلها ذكرها به
ركضت نحو الهاتف
تناولته.. نظرت إلى الرقم
إنه رقمه.. إنه هو حبيبي، وبلهفة نادت:
الو حبيبي أين أنت؟ اشتقت اليك..
رد عليها صوت غريب:
ـ أنا طبيب صاحب الهاتف، وهو في مرحلة احتضار ويريد رؤيتك للمرة الأخيرة.
ذهبت مسرعة والدموع لا تفارق عينيها، ودخلت غرفته وإذا هو في لحظاته الأخيرة.
اقتربت منه ونظر إليها قائلا:
ـ حبيبتي لم أستطع مفارقة الحياة دون أن أنظر إليك نظرة أخيرة.
ـ لماذا لم تخبرني؟
ـ لم أرد لقلبك الرقيق الفجيعة فانسحبت.
ـ والآن ألم تَخَفْ على قلبي من الفجيعة؟
ـ أنانيتي كعاشق جعلتني أختار وجهك ليكون آخر عهدي بالحياة، وأخرج صورة الرقصة الأخيرة وتمتم:
ـ إنها صورة رقصتنا الأخيرة أنسي ومصدر قوتي في صراعي مع الموت، لكنه كان الأقوى فصرعني.. خذيها فهي ما تبقى مني ولفظ أنفاسه.
صرخت: لا تتركني.. لماذا تسافر من جديد.. ماذا أبقيت لي منك؟.. أبقيت هذا القلق الأبدي، وهذا الحزن الذي لن يزول
وأبقيت هذه النار تشتعل في القلب، وصورة لرقصتنا الأخيرة؟!